مصر.. اكتشاف مدينة سكنية متكاملة من العصر القبطي في واحة الخارجة يعيد رسم ملامح التاريخ العمراني والديني

في إنجاز أثري جديد يعزز مكانة مصر كمهد للحضارات، أعلنت وزارة السياحة والآثار عن اكتشاف مدينة سكنية متكاملة تعود إلى بدايات العصر القبطي، وذلك في منطقة جبل الطير بواحة الخارجة بمحافظة الوادي الجديد، من خلال بعثة أثرية مصرية تابعة للمجلس الأعلى للآثار.
الكشف الجديد يُعد من أبرز نتائج الحفائر في المنطقة، ويشكّل محطة فارقة في فهم طبيعة الاستيطان والعمران في الواحات المصرية خلال الفترات التاريخية الانتقالية. وتظهر المدينة المكتشفة تخطيطًا عمرانيًا متطورًا، حيث ترتكز المباني السكنية على شارع رئيسي تتفرع منه شبكة من الشوارع الفرعية، ما يعكس وعيًا مدنيًا لافتًا في تنظيم المجتمعات خلال تلك الحقبة.
وقد شُيّدت المباني باستخدام الحجر الرملي والطوب اللبن، في دلالة على المزج بين التقنيات المحلية وخصائص العمارة الصحراوية، وتم العثور داخل المدينة على مجموعة من المقتنيات الأثرية، شملت عملات معدنية، وأواني فخارية، وأدوات حجرية متنوعة، بالإضافة إلى مؤشرات على وجود ورش صناعية يُعتقد أنها كانت تُستخدم في صناعات مثل الفخار، والنسيج، وربما التعدين، ما يعكس حيوية اقتصادية متكاملة في المنطقة.
كما تم العثور على بقايا مبنى ديني يُرجح أنه كان كنيسة، يتسم بتخطيط معماري مميز يضم صحنًا رئيسيًا وجناحين وأعمدة حجرية، ما يبرز البعد الروحي والديني في حياة سكان المدينة، ويؤكد مكانة واحة الخارجة كمركز ديني واجتماعي خلال العصر القبطي.
ويُعد هذا الكشف دليلاً ملموسًا على أهمية الواحات في التاريخ المصري، ليس فقط كممرات تجارية أو مناطق زراعية، بل كمراكز حضارية لعبت دورًا محوريًا في التطور العمراني والديني والاقتصادي.
وتعمل البعثة الأثرية على توثيق شامل للموقع وللمعثورات، استعدادًا لإجراء دراسات تفصيلية تهدف إلى تقديم صورة أعمق للحياة اليومية في المدينة، ولمكانة الخارجة ضمن السياق الأوسع للحضارة المصرية في العصور المتأخرة. يُنتظر أن تسهم هذه الدراسات في إعادة رسم خريطة العمران القبطي في مصر، وتقديم قراءة جديدة لمكانة الصحراء الغربية في التفاعل التاريخي بين الجغرافيا والدين والاقتصاد.