جزيرة أبوعلي تتحول إلى محمية بيئية فريدة بـ3 ملايين شتلة مانجروف وسلاحف نادرة على سواحل الخليج

على امتداد السواحل الشمالية لمدينة الجبيل الصناعية، تتجلى جزيرة أبوعلي كواحدة من أبهى النماذج البيئية التي تعكس جهود المملكة العربية السعودية في صون التنوع الحيوي والمحافظة على النظم البيئية الساحلية. هذه الجزيرة التي تقع تحت إشراف شركة أرامكو السعودية منذ عام 2014، تمتد على مساحة تبلغ نحو 120 كيلومترًا مربعًا، مما يجعلها من أكبر الجزر المطلة على الخليج العربي.
وتُعرف جزيرة أبوعلي بكونها موطنًا لكائنات بحرية نادرة، في مقدمتها السلاحف الخضراء وسلاحف منقار الصقر، المصنفة عالميًا ضمن الأنواع المهددة بالانقراض وفقًا للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة. وقد وثقت المسوحات البيئية نشاط هذه السلاحف على شواطئ الجزيرة خلال مواسم التعشيش، مستفيدة من حرارة الرمال وتوازن البيئة البحرية، ما يعزز من الأهمية البيئية للجزيرة ويدعم مساعي حمايتها.
بيئة متكاملة من الكثبان والسبخات إلى الغابات الساحلية
تتسم جزيرة أبوعلي بتنوع جغرافي وبيئي نادر، يجمع بين الكثبان الرملية الساحلية، السبخات المالحة، المستنقعات الطينية، والمسطحات المائية، فيما تنبسط على أطرافها الشرقية غابات المانجروف التي تؤدي دورًا جوهريًا في حماية السواحل وتنقية المياه المالحة. وتشكّل جذورها الكثيفة بيئة مناسبة لحضانة الأسماك، كما تساعد على منع تآكل السواحل وامتصاص الأمواج والعواصف.
وتنبض الحياة في غابات المانجروف الساحرة، حيث تحوم اليعاسيب المزخرفة، وتبني العناكب أعشاشها بين الجذور، بينما تتوارى السرطانات بين الطين. هذه البيئة تشكل نسيجًا بيئيًا متناغمًا يسهم في توازن النظام البيئي الساحلي.
محطة رئيسية للطيور المهاجرة
تلعب الجزيرة دورًا مهمًا كمحطة للراحة والغذاء للطيور المهاجرة، مثل الغاق السقرطي، الوروار الأوروبي، خطاف المخازن، القبرة المتوجة، وطيطوي المستنقع. وقد أكدت المسوحات البيئية أن الجزيرة تقع على واحد من أبرز مسارات هجرة الطيور، مما يضفي عليها بُعدًا بيئيًا استثنائيًا، ويعزز الحاجة لتوفير بيئة آمنة لهذه الطيور العابرة للقارات.
غطاء نباتي متنوع يعكس ثراءً بيئيًا نادرًا
تحتضن جزيرة أبوعلي تنوعًا نباتيًا واسعًا يشمل 32 نوعًا نباتيًا موثقًا، تنتمي إلى 14 عائلة نباتية، بحسب مسح ميداني أجرته أرامكو السعودية. ومن بين هذه الأنواع 7 نباتات حولية و24 نباتًا معمرًا، تنتشر في مواطن نباتية متعددة وفقًا لطبيعة التربة ودرجة ملوحتها.
فعلى الكثبان الرملية تنمو نباتات مثل لسان الحمل والحنيطة، بينما تغمر السبخات المالحة نباتات متكيفة مثل الثليث المخروطي والسويداء المصرية وأشنان إكليل الجبل، وكلها تضيف إلى المشهد البيئي تنوعًا بصريًا وبنيويًا يعبّر عن قدرة الطبيعة على التكيّف والتجدد.
تنوع حيواني غني.. من الثعلب الأحمر إلى الورل الصحراوي
أسفرت المسوحات البيئية الدقيقة التي أجرتها إدارة حماية البيئة في أرامكو عن رصد عدد من الثدييات والزواحف، منها الثعلب الأحمر العربي، الجربوع، الفأر الأحمر، وابن آوى الذهبي، بالإضافة إلى الورل الصحراوي وبرص الصحراء العربية. هذه الأنواع تستفيد من تباين التضاريس بين الرمال والسهول والسبخات لتوفير ملاذات طبيعية وتكاثر مستدام.
المانجروف.. مشروع وطني بيئي رائد
تُعد زراعة المانجروف في جزيرة أبوعلي أحد أبرز المشاريع البيئية التي تنفذها أرامكو السعودية ضمن استراتيجية وطنية لاستعادة الموائل الساحلية. وقد دشّنت الشركة في نوفمبر 2022 أحد أكبر مشاتل المانجروف في المنطقة، بطاقة إنتاجية تصل إلى 3 ملايين شتلة، لتكون محطة مركزية تدعم حملات التشجير المستمرة لسنوات قادمة.
وسبق أن سجلت الشركة رقمًا قياسيًا في عام 2020 بزراعة مليوني شتلة مانجروف على امتداد الجزيرة، مما ساهم في توسيع رقعة الغابات الساحلية، وتحسين جودة البيئة البحرية، ودعم الحياة الفطرية في المنطقة.
نموذج للانسجام البيئي والتنمية المستدامة
تُعد محمية جزيرة أبوعلي نموذجًا متقدمًا لما يمكن أن تكون عليه العلاقة بين التنمية البيئية والمسؤولية المجتمعية، إذ تؤكد تجربة أرامكو أن حماية التنوع الحيوي واستعادة الموائل الطبيعية ليست خيارًا بيئيًا فحسب، بل جزءٌ من رؤية مستدامة تُعزز مكانة المملكة في الحفاظ على إرثها الطبيعي.
وفي وقتٍ تتزايد فيه التحديات البيئية العالمية، تبرز الجزيرة كمثال رائد على كيف يمكن للمشاريع الوطنية أن تحوّل جزيرة ساحلية إلى حصن بيئي نابض بالحياة، وملاذٍ طبيعيٍّ للأنواع المهددة، ووجهة علمية وسياحية في آنٍ معًا.