بين سحر الطبيعة وازدهار المؤتمرات.. أديس أبابا ترسم ملامح وجهة سياحية عالمية……السياحة الإثيوبية تجني 3 مليارات دولار في 9 أشهر

شهدت إثيوبيا خلال الأشهر التسعة الماضية طفرة نوعية في قطاع السياحة، إذ تمكنت البلاد من تحقيق إيرادات تجاوزت 3 مليارات دولار أميركي، في مؤشر واضح على صعود هذا القطاع كأحد أبرز محركات الاقتصاد الوطني. ويعكس هذا الإنجاز ثمرة الجهود الحكومية المبذولة خلال السنوات الأخيرة لإعادة رسم خريطة السياحة الإثيوبية، من خلال تطوير البنية التحتية وتحديث المنتجعات وتهيئة وجهات جديدة تستجيب لتطلعات الزوار من مختلف أنحاء العالم.
طفرة في الأرقام ونمو متسارع
بحسب تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أمام البرلمان في يوليو/تموز الماضي، استقبلت البلاد خلال السنة المالية الأخيرة أكثر من 1.3 مليون زائر أجنبي، فيما ارتفع عدد السياح الدوليين إلى نحو 1.4 مليون سائح خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة نمو تجاوزت 40%. هذه الأرقام تترجم تحوّل السياحة إلى صناعة حقيقية تدعم الاقتصاد، إذ ساهمت وحدها بما يقارب 4.8 مليارات دولار في الناتج المحلي الإجمالي، في وقت تتطلع فيه الحكومة إلى جعل السياحة أحد أعمدة النمو المستدام.
مؤتمرات دولية تجعل أديس أبابا عاصمة للفعاليات
لا تقتصر جاذبية إثيوبيا على طبيعتها الخلابة وتاريخها العريق، بل تمتد إلى موقعها كمركز للمؤتمرات الدولية. فقد استضافت أديس أبابا خلال العام نحو 154 مؤتمراً دولياً وإقليمياً، ما عزز مكانتها كمدينة عالمية للقاءات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية، خصوصاً أنها تحتضن مقر الاتحاد الأفريقي. ويشير المسؤول في مجلس الوزراء، نغيسي كبرو، إلى أن الحكومة عملت على إعادة تأهيل العاصمة وجعلها أكثر حداثة وراحة للزوار، وهو ما انعكس في ارتفاع ملحوظ على سياحة المؤتمرات التي باتت تشكل دعامة أساسية للاقتصاد.
وجهات بين التاريخ والطبيعة
تتنوع المقومات السياحية لإثيوبيا بين العراقة التاريخية والمشاهد الطبيعية. فمن ممالك أكسوم القديمة وكنائس لاليبلا المحفورة في الصخر إلى قلاع قندر، يعيش السائح تجربة ثقافية غنية بالأساطير والحضارات. أما الطبيعة، فهي بدورها تقدم مشهداً متنوعاً من شلالات النيل الأزرق ومرتفعات سيمين في إقليم أمهرا، وصولاً إلى صحراء الدناكل بتكويناتها الجيولوجية الفريدة. هذه اللوحة الطبيعية لم تكن لتكتمل من دون الإصلاحات الحديثة في المنتجعات والفنادق التي باتت تضاهي الوجهات العالمية في خدماتها.
القهوة الإثيوبية.. جاذب ثقافي عالمي
لا يمكن الحديث عن السياحة في إثيوبيا من دون التوقف عند رمزها الأشهر: القهوة. إذ تحولت جلسات تحضيرها التقليدية إلى طقس ثقافي يستقطب السياح، حيث تمتزج نكهتها برائحة المدن صباحاً، لتقدم تجربة ثقافية واجتماعية تضيف بُعداً آخر لجاذبية البلاد. هذه التفاصيل الصغيرة، وفق ما تشير مديرة إحدى الوكالات السياحية في أديس أبابا، لينا محمد، هي ما يجعل إثيوبيا وجهةً محببة للعرب والأجانب على حد سواء، خصوصاً مع الأسعار المعتدلة وتسهيلات الإقامة والتنقل.
استثمارات جديدة لتعزيز الاستدامة
في إطار تعزيز الاستدامة، أطلقت الحكومة مشروع منتجع غورغورا الإيكولوجي على ضفاف بحيرة تانا، كوجهة سياحية بيئية تجمع بين الماضي والحاضر. وقد رُوّج لهذا المشروع عالمياً باعتباره نموذجاً للاستثمار في السياحة البيئية، إلى جانب افتتاح فنادق حديثة وتنظيم مهرجانات موسيقية تضع إثيوبيا في قلب المشهد السياحي العالمي.
أسواق جديدة وزوار من العالم العربي
تُظهر التقارير الرسمية أن الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وألمانيا وإيطاليا تتصدر قائمة الزوار الأجانب لإثيوبيا. لكن الملفت هو التزايد المستمر في أعداد القادمين من العالم العربي، وخاصة من المملكة العربية السعودية، بفضل المناخ المناسب والتسهيلات الحكومية وخطوط الطيران المباشرة. ومع تزايد إقبال العائلات العربية، تعززت صورة إثيوبيا كوجهة سياحية لا تقتصر على المغامرات الفردية بل تشمل الرحلات العائلية أيضاً.
السياحة كركيزة اقتصادية وفرص عمل واسعة
تولي الحكومة الإثيوبية السياحة اهتماماً استراتيجياً بوصفها أداة لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على الزراعة. فهي لا تدر فقط العملات الأجنبية، بل تخلق كذلك آلاف فرص العمل في بلد يتجاوز عدد سكانه 120 مليون نسمة. كما أنها وسيلة لتصدير الثقافة الإثيوبية نحو العالم من خلال الفنون الشعبية، والحرف اليدوية، والملابس التقليدية، التي تساهم في تعزيز السياحة الثقافية. > ❤حمادة: تحديات قائمة رغم النجاحات
ورغم النجاحات البارزة، لا يخلو الطريق من تحديات. إذ يواجه القطاع صعوبات تتعلق بعدم الاستقرار السياسي في بعض المناطق، وضعف البنية التحتية السياحية في مناطق أخرى، إلى جانب نقص الكفاءات المؤهلة في قطاع الضيافة وتعقيدات إدارية مرتبطة بالتأشيرات والاستثمار. لكن المسؤولين يرون أن هذه التحديات قابلة للتجاوز مع استمرار الاستثمارات وتكثيف الجهود الحكومية، بما يضمن استدامة النمو وجعل السياحة أحد أعمدة الاقتصاد الإثيوبي.
وبينما تتأرجح إثيوبيا بين ماضيها العريق وحاضرها المتجدد، يبدو أنها تسير بخطى ثابتة نحو ترسيخ مكانتها كوجهة سياحية عالمية، قادرة على منافسة أكبر الأسواق في إفريقيا والعالم.