الكويت تُعيد الحياة لسوق الصفافير.. تراث حي يتحول إلى وجهة سياحية

مشروع تطوير شامل يحافظ على الطابع التقليدي للسوق ويعزز من دوره كمنصة للحرفيين ومقصد ثقافي للزوار
في إطار رؤيتها الهادفة إلى صون الهوية التراثية وتعزيز السياحة الثقافية، كشفت الجهات المعنية في دولة الكويت عن خطة تطوير شاملة لسوق الصفافير، أحد أعرق الأسواق الحرفية في البلاد، والذي لطالما شكّل رمزًا للحرف اليدوية التقليدية، ولاسيما صناعة النحاس التي ميزت السوق لعقود طويلة.
وتهدف الخطة الجديدة إلى تحويل السوق إلى وجهة سياحية تراثية حية، تستقطب الزوار من داخل الكويت وخارجها، مع الحفاظ الكامل على الطابع الأصيل للسوق وبنيته الحرفية التقليدية، بما يضمن استمرار دوره التاريخي كمنصة حيوية للحرفيين والمبدعين المحليين، وكموقع نابض بالحياة الثقافية الكويتية.
تطوير دون مساس بالهوية
وبحسب ما كشفت عنه الهيئة العامة للصناعة، فإن مشروع تطوير سوق الصفافير يندرج ضمن إستراتيجية حكومية أوسع تسعى إلى إعادة إحياء الأسواق التراثية في مختلف مناطق الكويت، مع الحرص على أن تظل الأسواق التقليدية محتفظة بروحها وتاريخها وأصالتها، في مواجهة موجات التحديث العشوائي.
وسيتضمن المشروع إدخال أنشطة تجارية وحرفية مساندة تُسهم في إثراء التجربة السياحية للزوار، دون أن تؤثر على النشاط الرئيسي للسوق، الذي يركز على الحرف اليدوية التقليدية والصناعات المعدنية الدقيقة.
كما تدرس الجهات المختصة إنشاء مرافق خدمية حديثة في محيط السوق، تشمل مواقف سيارات وخدمات للزوار، بهدف تسهيل الوصول إلى السوق وتعزيز قدرته على استقبال أعداد أكبر من السياح والمواطنين.
وجهة تراثية داخل قلب العاصمة
ويحمل سوق الصفافير، الواقع في منطقة شرق الصناعية، قيمة رمزية خاصة في ذاكرة الكويتيين، إذ يُعتبر أحد أبرز ملامح الأسواق القديمة التي تعكس التاريخ الاجتماعي والاقتصادي للعاصمة. ومع تطور المدينة وظهور المراكز التجارية الحديثة، تراجع دور السوق تدريجيًا، لكن الحكومة تسعى اليوم لإعادته إلى الواجهة كفضاء نابض يعيد تقديم الحرف اليدوية في صورتها الأصيلة.
ومن أبرز ملامح المشروع الإبقاء على ورش التصنيع اليدوي في القسم الجنوبي من السوق، خاصة تلك المتخصصة في الأعمال النحاسية والحديدية، التي تُعد من الركائز التاريخية لصناعة الصفافير في الكويت. كما يتضمن المشروع تحويل السوق إلى منطقة تفاعلية تعرض مهارات الصناع المحليين أمام الجمهور، في تجربة ثقافية تعليمية فريدة.
الترويج للسياحة الثقافية والحرفية
تأتي هذه المبادرة ضمن جهود دولة الكويت لتنشيط السياحة الثقافية والحرفية، وتوسيع خارطة الوجهات التراثية داخل العاصمة، بما يواكب الاتجاهات العالمية نحو تجارب السفر الأصيلة والمستدامة. كما تسعى الحكومة إلى تقديم سوق الصفافير كـنموذج رائد للدمج بين الأصالة والتحديث، بحيث يحتفظ السوق بجوهره الحرفي، مع الاستفادة من الإمكانات السياحية والاقتصادية الكامنة فيه.
وفي هذا السياق، أكد مسؤولون معنيون بالمشروع أن أي أنشطة تجارية إضافية سيتم إدماجها بحذر شديد ووفق ضوابط صارمة تضمن عدم الإخلال بوظيفة السوق الأساسية كموطن للحرفيين، ومتحف حي للتراث الكويتي.
خطوة باتجاه رؤية أشمل
ويُعد مشروع تطوير سوق الصفافير جزءًا من رؤية تنموية أوسع تهدف إلى تنشيط المراكز القديمة، وإعادة إحياء الذاكرة الشعبية من خلال استثمارها اقتصادياً وثقافياً، مع تقديمها للأجيال الجديدة والسياح بشكل معاصر وجاذب. وفي ظل التحديات التي تواجه الحرف اليدوية عالميًا، تؤكد الكويت من خلال هذا المشروع أنها متمسكة بجذورها، وفي الوقت نفسه منفتحة على المستقبل.
سوق الصفافير ليس مجرد مكان للبيع والشراء، بل هو أيقونة حضارية تُجسد روح الحرفة الكويتية الأصيلة، وتحمل في تفاصيلها سرديات الحياة اليومية للكويتيين على مدى عقود. ومع بداية خطوات التحديث، تتطلع الدولة إلى جعله معلمًا سياحيًا واقتصاديًا وثقافيًا، يُعيد الاعتبار لمهنٍ كانت في طي النسيان، ويُكرّس مفهوم السياحة المتجددة القائمة على التجربة، والانتماء، والذاكرة.