دمج الرعاية الطبية مع التجربة السياحية يضع طهران على خريطة الوجهات المنافسة دولياً….إيران تراهن على السياحة الصحية: منصة رقمية ورؤية لقيادة سوق العلاج العالمي (رئيسي)

يشهد قطاع السياحة في إيران تحولاً لافتاً مع دخول السياحة الصحية كأحد أعمدته الرئيسة، لتتجاوز البلاد صورتها التقليدية كوجهة ثقافية وتاريخية، وتتحول تدريجياً إلى مركز إقليمي ودولي يجمع بين العلاج والاستجمام.
فإلى جانب معالمها الشهيرة مثل أصفهان وشيراز وبرسيبوليس، تسعى إيران اليوم إلى تسويق قوتها الطبية عبر منصة رقمية وطنية صممت خصيصاً لتبسيط رحلة المريض الأجنبي منذ لحظة بحثه عن العلاج وحتى تعافيه الكامل.
المنصة، التي طُرحت تجريبياً في مدينة مشهد وتستعد للانطلاق في طهران ومحافظات فارس، تقدم نموذجاً متكاملاً يشمل حجز المواعيد الطبية، ترتيبات السفر والإقامة، متابعة ما بعد العمليات، وتنسيق مباشر بين وزارتي الصحة والسياحة. وبذلك، تسعى إيران إلى ضمان تجربة سلسة تجمع بين كفاءة العلاج وراحة الإقامة، في خطوة اعتبرها خبراء القطاع مفتاحاً لنمو السياحة العلاجية بوتيرة أسرع.
ويمثل انخفاض تكاليف العلاج مقارنة بالأسواق الغربية أحد أبرز عناصر الجذب، إذ توفر البلاد خدمات في تخصصات مثل جراحة التجميل، طب الأسنان، أمراض القلب والعظام بجودة عالية وبأسعار لا تتجاوز جزءاً بسيطاً مما يدفعه المرضى في أوروبا أو الولايات المتحدة. وإلى جانب حداثة المرافق الطبية وكفاءة الكوادر، تمتلك إيران إرثاً طبياً تقليدياً يضفي بعداً ثقافياً وروحياً يعزز من تجربة الزائر.
لكن الرهان لا يقتصر على العلاج وحده؛ فالمريض القادم إلى طهران أو مشهد أو شيراز لا يكتفي بغرفة العمليات أو جلسات العلاج الطبيعي، بل يمتد بقاؤه لاستكشاف المدن التاريخية والمنتجعات الجبلية ومراكز التسوق والأسواق التقليدية، وهو ما يخلق أثراً اقتصادياً مضاعفاً يمتد من القطاع الصحي إلى قطاعي الضيافة والنقل.
وفي الوقت الذي تتزايد فيه الضغوط العالمية لاعتماد ممارسات سياحية صديقة للبيئة، تضع الحكومة الإيرانية خططاً لتعزيز “الرعاية الصحية الخضراء” وتطوير فنادق ومنتجعات تراعي الاستدامة، في مسعى يجمع بين خدمة المريض والحفاظ على البيئة.
يرى المراقبون أن هذا التوجه يمثل فرصة ذهبية لإيران لتثبيت مكانتها كوجهة صحية منافسة في الشرق الأوسط وآسيا وحتى في بعض الأسواق الأوروبية، خاصة مع النمو المتسارع في الطلب العالمي على السياحة العلاجية. ومع إطلاق العلامة التجارية الوطنية للسياحة الصحية، تبدو إيران في طريقها لتشكيل هوية متكاملة تضعها في مصاف أبرز اللاعبين على الساحة الدولية.
وبحسب خبراء الاقتصاد، فإن السياحة الصحية لا توفر دخلاً للقطاع الطبي وحسب، بل تسهم في تنشيط المجتمعات المحلية وخلق فرص عمل جديدة في قطاعات الفنادق والنقل والخدمات المساندة، ما يجعلها محركاً استراتيجياً للتنمية الاقتصادية طويلة المدى.
إيران اليوم تعيد تعريف السياحة على أرضها: رحلة علاجية متكاملة، تبدأ من غرفة العمليات ولا تنتهي إلا في أزقة أصفهان وبيوت شيراز القديمة، حيث يلتقي الزائر بالعلاج وبالتجربة الإنسانية معاً.